بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ
أيها الأفاضل : السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
تــعــريـــف الأضــحـــيـــــة :
الأضحية هي ما يذبح من بهيمة الأنعام أيام عيد الأضحى بسبب العيد تقربا إلى الله عز وجل، وهي من شعائر الإسلام المشروعة بكتاب الله تعالى، وسنة رسوله ـ صلى الله عليه وسلّم ـ وإجماع المسلمين.
قال الله تعالى: (( فَصَلّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ )) وقال تعالى: (( قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَ نُسُكِي وَمَحْيَايَ وَ مَمَاتِي للَّهِ رَبِّ الْعَـلَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ )) ، والنسك الذبح، قاله سعيد بن جبير، وقيل جميع العبادات ومنها الذبح، وهو أشمل.
وقال تعالى: (( وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِّيَذْكُرُواْ اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِّن بَهِيمَةِ الاَْنْعَـمِ فَإِلَـهُكُمْ إِلَـهٌ وَحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُواْ وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ )).
وفي صحيح البخاري ومسلم عن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال: (( ضحى النبي ـ صلى الله عليه وسلّم ـ بكبشين أملحين ذبحهما بيده وسمى وكبر، وضع رجله على صفاحهما )).
وعن عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال: ((أقام النبي ـ صلى الله عليه وسلّم ـ بالمدينة عشر سنين يضحي )) رواه أحمد والترمذي، وقال حديث حسن.
وعن عقبة بن عامر ـ رضي الله عنه ـ (( أن النبي ـ صلى الله عليه وسلّم ـ قسم بين أصحابه ضحايا فصارت لعقبة جذعة ، فقال: يا رسول الله صارت لي جذعة ، فقال: ضح بها )) رواه البخاري ومسلم.
وعن البراء بن عازب ـ رضي الله عنه ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلّم ـ قال: (( من ذبح بعد الصلاة فقد تم نسكه وأصاب سنة المسلمين )). رواه البخاري ومسلم.
حــــــــكــــــمـــــــــهـــــــــا :
ضحى ـ صلى الله عليه وسلّم ـ وضحى أصحابه ـ رضي الله عنهم ـ وأخبر أن الأضحية سنة المسلمين يعني طريقتهم، ولهذا أجمع المسلمون على مشروعيتها، كما نقله غير واحد من أهل العلم.
واختلفوا هل هي سنة مؤكدة، أو واجبة لا يجوز تركها ؟
أ ـ ذهب جمهور العلماء إلى أنها سنة مؤكدة، وهو مذهب الشافعي، ومالك ، وأحمد في المشهور عنهما.
ب ـ وذهب آخرون إلى أنها واجبة، وهو مذهب أبي حنيفة وإحدى الروايتين عن أحمد، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وقال: " هو أحد القولين في مذهب مالك، أو ظاهر مذهب مالك ".
وقال ابن حزم : " لا يصح عن أحد من الصحابة أنها واجبة " ، وقد استدل على عدم الوجوب بحديث أم سلمة عند مسلم : قالت : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (( إذا دخلت العشر فأراد أحدكم أن يضحي فلا يأخذ من شعر ولا بشر شيئا )) قال الشافعي :" إن قوله : (( فأراد أحدكم )) يدل على عدم الوجوب .
وذبح الأضحية أفضل من الصدقة بثمنها ، لأن ذلك عمل النبي ـ صلى الله عليه وسلّم ـ والمسلمين معه ، ولأن الذبح من شعائر الله تعالى، فلو عدل الناس عنه إلى الصدقة لتعطلت تلك الشعيرة ، ولو كانت الصدقة بثمن الأضحية أفضل من ذبح الأضحية لبينه النبي ـ صلى الله عليه وسلّم ـ لأمته بقوله أو فعله، لأنه لم يكن يدع بيان الخير للأمة، بل لو كانت الصدقة مساوية للأضحية لبينه أيضا لأنه أسهل من عناء الأضحية ولم يكن ـ صلى الله عليه وسلّم ـ ليدع بيان الأسهل لأمته مع مساواته للأصعب، ولقد أصاب الناس مجاعة في عهد النبي ـ صلى الله عليه وسلّم ـ فقال: (( من ضحى منكم فلا يصبحن بعد ثالثة في بيته شيء )). فلما كان العام المقبل قالوا : (( يا رسول الله نفعل كما فعلنا في العام الماضي ؟ فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلّم ـ : كلوا واطعموا وادخروا فإن ذلك العام كان في الناس جهد فأردت أن تعينوا فيها )) متفق عليه.
قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ : " الذبح في موضعه أفضل من الصدقة بثمنه... قال: ولهذا لو تصدق عن دم المتعة والقِرَان بأضعاف أضعاف القيمة لم يقم مقامه وكذلك الأضحية " انتهى كلامه.
حــــــــكـــــــــمــــــــــتــــــــــــهــــــــــــا :
شرع الله تعالى الأضحية لحكم وفوائد كثيرة تشترك في بعضها مع الهدي الذي يذبحه الحاج متمتعا كان أو قارنا ، من هذه الحكم :
1. ذكر الله تعالى وتوحيده ، حيث يجب على المضحي أن يذكر الله تعالى على أضحيته عند ذبحها كما قال تعالى : (( .. ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام..)) (الحج:28) ، وقوله تعالى : ((قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين)) (الأنعام:162).
2. شكر الله تعالى بتذكر نعمته علينا بأن خلق لنا هذه الأنعام وأحلها لنا ، كما قال تعالى : ((كذلك سخرناها لكم لعلكم تشكرون)) (الحج:36) .
3. التوسعة على الناس خاصة الفقراء والمساكين في هذه الأيام المباركة ، حيث جاء في الحديث : (( إنما هي أيام أكل وشرب وذكر الله )) ، فيشارك الفقراء والمحتاجون الأغنياء والقادرين في أكل اللحم في هذه الأيام المباركة ، فيقول الله تعالى : (( فكلوا منها وأطعموا البائس والفقير )) (الحج:28) ، ويقول الله تعالى : (( فكلوا منها أطعموا القانع و المعتر)) (الحج : 36) .
4. إحياء لذكرى نبي الله إبراهيم وابنه إسماعيل ـ عليهما السلام ـ حيث فدى الله إسماعيل من ا لذبح بالكبش العظيم ، وفي هذه القصة من العبر الكثير ، منها طاعة الله تعالى مهما كان الأمر الذي كلفنا به ، وشكره لله تعالى على هذا الفداء والتخفيف على نبيه إبراهيم وابنه إسماعيل وعلى الأمة الإسلامية إلى قيام الساعة .
شــــــــــروط الأضـــــــحـــــــيـــــــــة :
يشترط للأضحية ستة شروط:
الشرط الأول : أن تكون من بهيمة الأنعام :
وهي الإبل والبقر والغنم ضأنها ومعزها لقوله تعالى: (( وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِّيَذْكُرُواْ اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِّن بَهِيمَةِ الاَْنْعَـمِ فَإِلَـهُكُمْ إِلَـهٌ وَحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُواْ وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ )) وبهيمة الأنعام هي الإبل، والبقر، والغنم هذا هو المعروف عند العرب، وقاله الحسن وقتادة وغير واحد.
الشرط الثاني: أن تبلغ السن المحدود شرعا :
بأن تكون جذعة من الضأن، أو ثنية من غيره لقوله ـ صلى الله عليه وسلّم ـ : (( لا تذبحوا إلا مسنة ، إلاّ أن تعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن )) رواه مسلم.
والمسنة: الثنية فما فوقها، والجذعة ما دون ذلك ، فالثني من الإبل: ما تم له خمس سنين، والثني من البقر: ما تم له سنتان ، والثني من الغنم ما تم له سنة، والجذع: ما تم له نصف سنة، فلا تصح التضحية بما دون الثني من الإبل والبقر والمعز، ولا بما دون الجذع من الضأن.
الشرط الثالث: أن تكون خالية من العيوب المانعة من الإجزاء
وهي أربعة:
1 ـ العور البيّن: وهو الذي تنخسف به العين، أو تبرز حتى تكون كالزر، أو تبيض ابيضاضا يدل دلالة بينة على عورها.
2 ـ المرض البيّن: وهو الذي تظهر أعراضه على البهيمة كالحمّى التي تقعدها عن المرعى وتمنع شهيتها، والجرب الظاهر المفسد للحمها أو المؤثر في صحته، والجرح العميق المؤثر عليها في صحتها ونحوه.
3 ـ العرج البيّن: وهو الذي يمنع البهيمة من مسايرة السليمة في ممشاها.
4 ـ الهزال المزيل للمخ: لقول النبي ـ صلى الله عليه وسلّم ـ حين سئل ماذا يتقي من الضحايا فأشار بيده وقال: (( أربعا : العرجاء البيّن ضلعها، والعوراء البيّن عورها، والمريضة البيّن مرضها، و العجفاء التي لا تنقى )) رواه مالك في الموطأ من حديث البراء بن عازب .
وفي رواية في السنن عنه ـ رضي الله عنه ـ قال: قام فينا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلّم ـ فقال: (( أربع لا تجوز في الأضاحي )) وذكر نحوه.
فهذه العيوب الأربعة مانعة من إجزاء الأضحية بما تعيب بها، ويلحق بها ما كان مثلها أو أشد، فلا تجزىء الأضحية بما يأتي:
1 ـ العمياء التي لا تبصر بعينيها.
2 ـ المبشومة حتى تنشط ويزول عنها الخطر.
3 ـ المتولدة إذا تعسرت ولادتها حتى يزول عنها الخطر.
4 ـ المصاب بما يميتها من خنق وسقوط من علو ونحوه حتى يزول عنها الخطر.
5 ـ الزمنى وهي العاجزة عن المشي لعاهة.
6 ـ مقطوعة إحدى اليدين أو الرجلين.
فإذا ضممت ذلك إلى العيوب الأربعة المنصوص عليها صار ما لا يضحى به عشرة : هذه الستة وما تعيب بالعيوب الأربعة السابقة.
الشرط الرابع: أن تكون ملكا للمضحي ، أو مأذونا له فيها :
من قبل الشرع، أو من قبل المالك فلا تصح التضحية بما لا يملكه كالمغصوب والمسروق والمأخوذ بدعوى باطلة ونحوه ، لأنه لا يصح التقرب إلى الله بمعصيته ، وتصح تضحية وليّ اليتيم له من ماله إذا جرت به العادة وكان ينكسر قلبه بعدم الأضحية.
وتصح تضحية الوكيل من مال موكله بإذنه.
الشرط الخامس: أن لا يتعلق بها حق للغير فلا تصح التضحية بالمرهون.
الشرط السادس: أن يضحى بها في الوقت المحدود شرعا
وهو :
أ ـ يوم النحر و يومان بعده عند أبي حنيفة ومالك وأحمد ، وحكى ابن القيم عن أحمد أنه قال : " هو قول غير واحد من أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وإليه ذهبت الهادوية والناصر من أهل البيت " .
ب ـ من بعد صلاة العيد يوم النحر إلى غروب الشمس من آخر يوم من أيام التشريق وهو اليوم الثالث عشر من ذي الحجة، فتكون أيام الذبح عنده أربعة: يوم العيد بعد الصلاة، وثلاثة أيام بعده، لقول علي ـ رضي الله عنه ـ : " أيام النحر يوم الأضحى وثلاثة أيام بعده " وهو مذهب الحسن البصري وعطاء بن أبي رباح والأوزاعي والشافعي واختاره ابن المنذر عليهم جميعا رحمة الله .
فمن ذبح قبل فراغ صلاة العيد، أو بعد غروب الشمس يوم الثالث عشر لم تصح أضحيته لما روى البخاري عن البراء بن عازب ـ رضي الله عنه ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلّم ـ قال: (( من ذبح قبل الصلاة فإنما هو لحم قدمه لأهله وليس من النسك في شيء )).
وروى عن جندب بن سفيان البجلي ـ رضي الله عنه ـ قال : شهدت النبي ـ صلى الله عليه وسلّم ـ قال: (( من ذبح قبل أن يصلي فليعد مكانها أخرى )) .
وعن نبيشة الهذلي ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلّم ـ : (( أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله عز وجل )) رواه مسلم.
لكن لو حصل له عذر بالتأخير عن أيام التشريق مثل أن تهرب الأضحية بغير تفريط منه فلم يجدها إلا بعد فوات الوقت، أو يوكل من يذبحها فينسى الوكيل حتى يخرج الوقت فلا بأس أن تذبح بعد خروج الوقت للعذر، وقياسا على من نام عن صلاة أو نسيها فإنه يصليها إذا استيقظ أو ذكرها.
ويجوز ذبح الأضحية في الوقت ليلاً ونهارا، والذبح في النهار أولى ، ويوم العيد بعد الخطبتين أفضل، وكل يوم أفضل مما يليه لما فيه من المبادرة إلى فعل الخير.
ــــــــــــــــــ يتبع إن شاء الله ــــــــــــــــ
أخوكم : عمار جعيل