فذكّرنا بطفلة أصغر منه احتضنت تحت القصف رضيعاً جريحاً وهدهدته كأنها أم، هكذا أصبح أطفال غزة رجالاً ناضجين يعون مكانهم بين أنياب الوحش ويوجعوننا بذلك النضج، تبددت الطفولة التي تسترخي على حب الأهل! تبددت متعة نوم الأطفال السهل! فأي هول في الوعي بأنهم محكومون بالحصار والقتل! ومع ذلك، ذهبوا بإرادة مذهلة إلى المدرسة في أول صباح دون حرب، وجلسوا على مقاعد الصف إلى جانب صور زملائهم الشهداء!
[size=9]هل سمع العالم السادي المغرور الذي ترعشه إدانة مجرمي الحرب، أطفالاً يحكون ببراءة وصدق عن حياة لا تحميها حصانة الطفولة وحقوق بلد محتل، يبدو أن الوجع الإنساني والغضب على الظلم يجرح قلب الشريف النقي فقط، والمفكر الحر فقط! لذلك قال السيد أردوغان: التصفيق لقاتل الأطفال شراكة في القتل! فرأت تلك القاعات الناعمة إنساناً يرفض بشجاعة التعالي الصهيوني وسمعت لغة ينضفر فيها الكبرياء الوطني بالتضامن الإنساني وكأنما صدحت مهابة امبراطورية شرقية قالت ذات يوم: فلسطين لا تباع! فنفضت القاعة عنها الكذب الصهيوني وصفقت للشهامة.
[size=9]هل دافع السيد أردوغان عن أطفال غزة فقط، أم كان صوت شوارع العالم التي أرعشتها الجريمة المبرمجة؟ وتصدى لمراءاة السياسيين الذين يشرّعون القتل باسم الدفاع عن النفس لكنهم يرفضون دفاع الشعب الفلسطيني عن النفس ويحتضنون مجرمي الحرب ويوهمون بأن الحصار حرص على المدنيين وغيرة على الأمن.
[size=9]سمع السيد أردوغان الطفلة دلال التي تفقدت أنقاض بيتها وبكت أهلها الذين لم يبق منهم أحد، سمع الطفلة الصغيرة التي قالت ببراءة ابنة الخامسة من العمر: إن الجنود الاسرائيليين نهبوا كل شيء في بيتها وسرقوا سوارها ومن يعرف فرح طفلة بالسوار وسمع نداء الطفلة المذعورة: ماما، والأم المقتولة لا تستطيع أن تلجئها إلى حضنها، سمع الوجع الذي أوصد السياسيون المراؤون دونه قلوباً أكلتها السياسة!
يبحث الأحياء من أطفال غزة عن بقايا أشيائهم بين الأنقاض، ينتشلون بعض الدفاتر الممزقة، يجمعون مع الأمهات بقايا الملابس الممزقة ذكرى من الشهداء، ومن بين الأنقاض ومن الخيام التي نصبت فوق الأنقاض يخرجون إلى المدارس في أول صباح هدأ فيه القصف مع أن القناصين الإسرائيليين يصيدونهم على طريق المدرسة، ويقنصونهم في غرف الصف وإذا رجعوا إلى البيت قصفوهم في فراش النوم وفي الضفة المحتلة يعبر إخوتهم الحواجز الإسرائيلية، ويفتش الجنود المحتلون محافظهم، وفي الخليل لا يستطيعون الوصول إلى المدرسة إلا من سطوح البيوت الخلفية خشية من المستوطنين قطّاع الطرق.
عن أولئك الأطفال المحاصرين، عن المقتولين منهم، عن الذين نهشت الصواريخ لحمهم، وأحرقت القنابل الفوسفورية بشرتهم الناعمة، دافع السيد أردوغان، فبيّن المشهد في دافوس أن عالماً وحشياً مغلفاً بالرياء انهار، أن عالماً تقدمه المؤتمرات الصحفية رقيقاً فيه منصات مرتبة ووفود براقة مدثرة بملابس مكوية مضخمة بابتسامات، انهار عندما غضب إنسان شريف على قتلة الأطفال، انهار وفهمنا لماذا تنادي دول أميركا اللاتينية بتجمعات أخرى تعبر عن الشعوب، ولماذا أصبح احتكار المؤسسات العالمية غير مقبول، في زمن تتدفق فيه الشعوب وتكشف فيه الاتصالات الأسرار والجرائم يصعب أن تحكم العالم حفنة من دول الأمس.
افتتح السيد أردوغان مرحلة جديدة في العالم في تجمع عالمي دوت كلماته عن الجرائم في غزة. أدان رئيس وزراء دولة شرقية كبرى قتلة الأطفال ورفض أن تستر المراءاة لاسرائيل ذلك القتل، وتدحرجت كرة الثلج وها هم الطلاب البريطانيون يدينون مجرمي الحرب.
يا أطفال غزة، لن تذهب دماؤكم هدراً! وإذا صحا العالم وإذا تغير العالم فستكونون أنتم من ساهم في رسم صورته الجديدة! وإذا ما حوكم مجرمو الحرب الاسرائيليون فسيكون ذلك بفضلكم! لأن أجسامكم الطرية المدماة المحمولة على أذرع المنقذين الشجعان لا تغادر عيوننا! وتوجع الضمير الإنساني وتفرض أن تعاقب العنصرية على جرائمها!