ا لسلفيون والإخوان وغزة.. قراءة في المواقف والرؤى
فلسطيني بيده نسخ من القرآن ومسجد مدمر في غزة
جاءت مواقف ورؤى الإسلاميين من الاعتداء الإسرائيلي على غزة في السياق النمطي تبعا للتوجهات والأفكار الحاكمة لتلك القوى، ولم تشهد خارطة أفعال الإسلاميين تطورا لافتا، قياسا لما جرى في أحداث مشابهة مثل احتلال العراق، وحصار واقتحام مخيم جنين من قبل العدو الصهيوني.هذا التقرير لا يعني حكما مبدئيا على مواقف الإسلاميين ووصمها بالسلبية، أو وصفها بالإيجابية بقدر ما يشكل نقطة مفتاحية كاشفة وموطئة قبل الدخول في مناقشة الوصف والتفسيرات، والإحاطة بخلفيات هذه المواقف والتوجهات.
في تفاصيل خارطة المواقف يطالعنا موقف التيار السلفي من العدوان على غزة، ونظرا للتنوع الحاصل في المشهد السلفي واختلاف مشاربه واتجاهاته وخصوصية الحالة القطرية للتيار السلفي من مكان آخر، فقد جاءت المواقف متنوعة وإن سيطر عليها في الأغلب الأعم الاتجاه التقليدي الذي تتحدد مواقفه، كما في حالات مماثلة انطلاقا من قراءة للمشهد، مفادها أن كل ما يحل بالمسلمين من نكبات مرده إلى تخليهم عن النهج الإسلامي القويم، والضعف الذي أصاب عقيدتهم وابتعادهم عن نهج السلف. ومن المنطقي وفق هذه القراءة أن يكون معكوس هذه العلل هو أساس كل علاج لواقع الأمة المتردي بشكل عام، وهو المدخل للتعامل مع هذه الأحداث.
السلفيون وسرعة الاشتباك
تناولت كثير من المنابر السلفية التي تقع في هذا المربع الحدث منذ بدايته، ولم تتأخر في الاشتباك معه، وربما يكون الجديد في هذا السياق المسارعة في تناول الواقعة دون إبطاء أو إهمال.حاول الخطاب السلفي، الذي ينتمي للاتجاه التقليدي في بعض الأحيان، تأسيس انطلاقته عبر الدعوة إلى القيام بواجب النصرة، وتقديم أجوبة تفسيرية عن أسباب العجز العام عن القيام بهذا الواجب بالشكل الفعال.هذا التناول تبدى في افتتاحيات الخطاب وعنوانه، مع تأجيل الحديث عن الجوانب التفسيرية لمسافات أكثر توغلا.
ويمكن تفهم هذا باعتباره إدراكا لحالة المزاج الشعبي المحتقن، والذي تتملكه حالة من الغضب الشديد، والباحث عن مجالات لدعم الشعب الفلسطيني تتجاوز أدوات الفعل التقليدية التي باتت شرائح كبيرة من الجماهير تعتبرها محدودة الجدوى.
قدم الاتجاه السلفي التقليدي رؤيته لآليات وأشكال الدعم، والتي تقوم على تفعيل الواجبات التعبدية للمسلمين، وفي مقدمتها الدعاء، والتوقف عند الأحداث واستلهام عبرها لإصلاح الذات باعتبار أن معيقات نصرة أهل غزة مبعثها الأساسي الخلل الذي يعتور علاقة المجتمع الإسلامي بكافة أطيافه بالإسلام.وقد جنح الخطاب أحيانا إلى غمز القيادات العربية من طرف خفي، وتحميلها المسئولية دون أن يتوقف عند التفصيلات الخاصة بهذا السياق -يمكن مطالعة المواد المنشورة على موقع صوت السلف وهي تعبر عن التوجه السالف بشكل كبير-.
الخطاب السلفي التقليدي
لم تتغير طبيعة الخطاب السلفي التقليدي ومواقفه كما في حالات سابقة في مجال طرحه للأدوار والأعمال التي يمكن من خلالها دعم أهل غزة الذين يصطلون بنيران الآلة العسكرية الصهيونية.وقد جاءت أكثر الأشكال تقليدية في الخطاب السلفي التقليدي الصادر عن العديد من الفضائيات التي تسير في هذا الاتجاه، فكل من طالع قنوات مثل قناة الناس وشبيهاتها يستطيع الوقوف بشكل واضح على معالم هذا الخطاب.
قرأ الخطاب الفضائي السلفي التقليدي الأحداث في السياق العام للتناول السلفي الذي يعتبر هذه الأحداث دليلا دامغا على بعد الشقة بين المسلمين وبين جوهر دينهم، وأن ما يجري هو محصلة لضعف الأمة الناجم عن هذا التباعد.جاءت حديث الخطاب الفضائي ذو النزعة السلفية التقليدية في مجال طرحه للأدوار والواجبات؛ ليشكل صدمة كبيرة لبعض الشرائح الجماهيرية ومن بينها شرائح تشكل أحد مكونات الحالة الجماهيرية التي تتفاعل مع هذه الفضائيات وتستهلك خطابها الإعلامي.لقد اختزل هذا الخطاب الأزمة في المسئولية الفردية الواقعة على الفرد المسلم، وكيف أن المدخل الحقيقي لنصرة غزة ينحصر في استكمال الإنسان المسلم والإنسانة المسلمة للنقائص التي تعتريه في مجال الالتزام الديني. فغير المحجبة نصرتها لغزة بلبسها الحجاب والإقلاع عن السفور، والمسلم العاصي ينصر غزة بإقلاعه عن المعاصي.
وبشكل عام يمكن القول رغم الفروقات الطفيفة بين مكونات الاتجاه السلفي التقليدي تركز خطابه حول أن المدخل الرئيسي لنصرة غزة يقوم على إصلاح النفس، والتخلي عن ارتكاب المعاصي والتوجه إلى الله بالدعاء لنصرة الشعب الفلسطيني.
نائب سلفي كويتي يلوح بحذائه لمحمود عباس خلال تظاهرة
هذه الأعمال –الدعاء والقيام بالواجبات الدينية- لها من المشروعية ما لا يمكن لأحد أن يجادل حول قيميتها ومشروعيتها وأهميتها، لكن تبقى مشكلة هذا الخطاب في محاولة الاكتفاء بتلك الأعمال، والسكوت عن ما عداها، وفي بعض الأحيان الطعن في مشروعيته وجدواه مثل الأعمال الاحتجاجية، وفي طليعتها التظاهر من أجل الضغط على صناع القرار السياسي العربي، ودفعه لاتخاذ مواقف أكثر إيجابية، وتقديم الإسناد المعنوي للشعب الفلسطيني الذي يطالب هو ذاته بتكثيف تلك الأعمال، ويراهن عليها في مجال تحسين الأداء السياسي للنظم الحاكمة، ومحاولة لجم بعضها المندفع نحو حالة من التساهل في الإتيان بأفعال وأقوال سلبية تدعم في طبيعتها الموقف الصهيوني.
ربما كان الجديد في الخطاب ال سلفي التقليدي أنه لم يجنح إلى مصادمة الحس الجماهيري، ويعلن معارضته للفعل الجهادي على الأرض الفلسطينية لانتفاء شروطه كما جرى في محكات سابقة، كما أن كثيرا من المنابر السلفية أثرت الابتعاد عن التعرض لحركة حماس ونهجها، وربما يعود هذا أحد جوانبه إلى موقف قيمي من عدم تناول حركة حماس بما قد يمسها بسوء في هذا الظرف، واعتبار القضية تخص الشعب الفلسطيني بأسره؛ مما يشكل مخرجا لتناول التجربة بشكل يمكن معه عدم إسناد حركة حماس بشكل ظاهر أو التعرض لها بشكل سافر في ذات الوقت.
اتجاهات سلفية مغايرة
في مكونات الحالة السلفية ظهرت مواقف سلفية تغاير الاتجاه التقليدي في مجالي الخطاب والموقف، فقد دعا أكثر من رمز سلفي في الجزائر مثل علي بلحاح إلى فتح الحدود أمام الجماهير العربية للجهاد وشددوا النكير على النظم العربية التي وصموها بالتخاذل.
وفي الكويت حيث يخوض الاتجاه السلفي غمار السياسة ويلتحق بمجلس النواب كان النهج والغطاء القانوني دافعا للاتجاه السلفي؛ للانخراط في الأعمال ذات الطابع الاحتجاجي الجماهيري، ومن ثم شارك هذا الاتجاه في التظاهرات والفعاليات الداعمة للشعب الفلسطيني الذي يتعرض للاعتداء.
ورغم تنوع خطوط خارطة التيار السلفي إلا أن الخطاب الإعلامي بالقنوات الفضائية، ذات المنزع السلفي هي ما علق أكثر بالأذهان؛ حيث بدا هذا الخطاب غارقا في مسعاه للإبحار نحو شاطئ السلامة والحرص على عدم تقديم مكونات خطاب يلامس الجانب السياسي، وكل ديناميات المشهد المجتمعي في صورها العملية.
وقد اعتبر البعض أن هذا الخطاب لم يقنع الجماهير التي ربما رمته بالمراوغة، وعدم القدرة على الوفاء باستحقاقات اللحظة والإغراق في تقديم وصفات لأدوار وواجبات يتم من خلالها تطويق عنق الجماهير بالواجبات التعبدية التي تجعل المسئولية فردية في معناها ومبناها واستغلال أمر الإلزام الديني في قمع من يطرح رؤى مغايرة أو يجادل في خلفيات ودوافع هذا الطرح، وتجنب كل دور من شأنه أن ينفتح على الفعل المجتمعي بكل صوره وتجلياته.
إذا حاولنا أن نلخص موقف التيار السلفي من أحداث غزة أمكننا القول إنه جاء متنوعا وفقا للتنوع ذاته الذي يسم الحالة السلفية، وإن كانت خارطة الموقف السلفي بشكل عام حيال الأحداث المتصاعدة في القطاع لم تشهد ما يمكن اعتباره جديدا وفارقا أو نوعيا مختلفا.