عمار جعيل الإدارة
عدد الرسائل : 1223 العمر : 57 تاريخ التسجيل : 21/11/2007
| موضوع: الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ كأنّك تراه : الجزء السادس الأربعاء أغسطس 13, 2008 7:48 pm | |
| بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ أيها الأفاضل : السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
تاسعا : محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ ذاكرا : كان ـ صلى الله عليه وسلم ـ أكثر النّاس ذكرا لربّه ، حياته كلّها ذكر لمولاه ، فدعوته ذكر ، وخطبه ذكر ، و مواعظه ذكر ، وعبادته ذكر ، وفتاويه ذكر، وليله ونهاره وسفره وإقامته بل أنفاسه كلّها ذكر لمولاه عزّ وجل، فقلبه معلّق بربّه، تنام عينه ولا ينام قلبه، بل النظر إليه يذكّر النّاس بربّهم ، وكلّ مراسيم حياته ومناسباته ذكر لخالقه جلّ في علاه.
وكان ـ صلى الله عليه وسلم ـ يحثّ النّاس على ذكر ربّهم، فيقول: (( سبق المفردون ، الذاكرون الله كثيرا والذاكرات )) أخرجه مسلم 2676 عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ . ويقول : (( مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكره كمثل الحيّ والميت )) أخرجه البخاري 6407 ومسلم 779 عن أبي موسى ـ رضي الله عنه ـ . ويقول : (( لا يزال لسانك رطبا من ذكر الله )) أخرجه أحمد [ 17227، 17245] والترمذي 3375 وابن ماجه 3793 انظر المشكاة 2279.
و أخبر أنّ أفضل النّاس أكثرهم ذكرا لربّه، وروى عن ربّه عز وجل قوله : (( أنا مع عبدي ما ذكرني وتحركت شفتاه )) أخرجه البخاري معلقا في كتاب التوحيد، باب قول الله ((لاتحرك به لسانك ))، وأحمد[10585، 10592] زابن ماجه3792 عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ . ويقول : (( من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم )) أخرجه البخاري 7405 ومسلم 2675 عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ .
وله عشرات الأحاديث الصحيحة التي تحث على الذكر وترغّب فيه، والتهليل والتسبيح والتحميد والتكبير والحوقلة والاستغفار والصلاة والسلام عليه ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
وكان يذكّر الناس بأجر الذكر وما يترتب على ذلك من ثواب، وذكر الأعداد في ذلك مع ذكر المناسبات، وعمل اليوم والليلة، فهو ـ صلى الله عليه وسلم ـ الذاكر الشّاكر الصّابر، وهو الذي ذكّر الأمّة بربّها وعلّمها تعظيمه وتسبيحه، وبيّن لها فوائد الذكر ومنافعه ، فهو أسعد الناس بذكر ربه، وأهنؤهم عيشا بهذه النعمة، وأصلحهم حالا بهذا الفضل، فكان له أوراد من الأذكار مع حضور قلب وخشوع وخضوع وهيبة وخوف ومحبة ورجاء وطمع في فضل ربه.
عاشرا : محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ داعيا:
يقول تعالى: (( ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ )) غافر 60، ويقول: (( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ )) البقرة 186، ويقول ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (( الدعاء هو العبادة )) أخرجه أحمد [ 17888، 17919] وأبو داود 1479 والترمذي [ 2969، 3247] عن النعمان بن بشير ـ رضي الله عنه ـ وصححه. ويقول : (( من لم يسأل الله يغضب عليه )) أخرجه البخاري في الأدب المفرد 658 والترمذي 3373 عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ وصححه.
وكان لاهجا بدعاء ربه في كل حالاته، قد فوّض أمره لمولاه، وأكثر الإلحاح على خالقه يناشده رحمته وعفوه ، ويطلب برّه وكرمه ، وكان يختار جوامع الدعاء الكامل الشامل كقوله : (( اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار )) أخرجه البخاري [ 4522، 6389] ومسلم 2688 عن أنس ـ رضي الله عنه ـ . و قوله : (( اللهم إني أسألك العفو والعافية )) أخرجه أحمد 4770 وأبو داود 5074 وابن ماجه 3871 والحاكم 1902 عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ وصححه.
وكان يكرر الدعاء ثلاثا ، ويبدأ بالثناء على ربه ، وكان يستقبل القبلة عند دعائه ، وربما توضأ قبل الدعاء ، وكان يعلم الأمة أدب الدعاء ، كالبداية بحمد الله والصلاة والسلام على رسوله ، ودعاء الله بأسمائه الحسنى ، والإلحاح في الدعاء، وتوخّي أوقات الإجابة كأدبار الصلوات ، وبين الأذان والإقامة ، وآخر ساعة من يوم الجمعة، ويوم عرفة، وفي حالة السجود والصوم والسفر، ودعوة الوالد لولده ، وكان وقت الأزمات يلحّ على ربه ويناشده ، ويكرّر السؤال مع تمام الذلّ والخوف والحب وحسن الظن، وتمام الرجاء، كما فعل يوم بدر ويوم الخندق ويوم عرفة.
وكان الله يجيب دعوته ويلبّي طلبه ، كما حصل له على المنبر يوم استسقى فنزل الغيث مباشرة، ويوم شق له القمر، وبارك له في الطعام والمال ، ونصره في حروبه، ورفع دينه وأيّد حزبه وخذل أعداءه، وكبت خصومه، حتى حقق الله له مقاصده وأكرم مثواه وجعل له العاقبة ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
حادي عشر : محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ طموحا:
ولدت همته ـ صلى الله عليه وسلم ـ معه يوم ولد، فمنذ طفولته ونفسه مهاجرة إلى معالي الأمور ومكارم الخلق ، لا يرضى بالدون ولا يهوى السفاسف ، بل هو الطموح والسبّاق المتفرّد والمبرز المحظوظ ، ولقد ذكر أهل السير أنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو طفل كان لجده عبد المطلب فراش في ظل الكعبة لا يجلس عليه إلا هو لمنزلته ، فجاء محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ فنازع الخدم حتى جلس عليه ، وأبى أن يجلس دونه. وكان فيه قبل النبوة من سمات الريادة والزعامة والقيادة ما جعل قريش يسمونه الصادق الأمين، ويرضون حكمه ويعودون إليه في أمورهم. فلما منّ الله عليه بالبعثة تاقت نفسه إلى الوسيلة، وهي أعلى درجة في الجنة، فسأل الله إياها، وعلّمنا أن نسألها له من ربه، بلغ سدرة المنتهى، وحاز الكمال البشري المطلق، والفضيلة الإنسانية ، ومن علوّ همّته رفضه للدنيا وعدم الوقوف مع مطالبها الزهيدة لولاياتها ومناصبها وقصورها ودورها.
فاللهم أحينا على سنته و أمتنا على ملته و احشرنا في زمرته .
ـــــــــــ يتبع إن شاء بسلسلة جديدة بعنوان : " الرسول ـ صلى الله في القرآن " ــــــــــــــــــ
| |
|