كم تاب من الناس على يديك؟
الحمد لله على إحسانه العميم، وأشهد أن لا إله إلا الله الواحد العظيم، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله المبعوث بالدين القويم، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أكمل تسليم، أما بعد:
أخي المسلم: كم تاب من الناس على يديك؟ سؤال يجب أن يطرحه كل مسلم على نفسه.
يقول ابن الجوزي رحمه الله: "ولقد تاب على يدي في مجالس الذكر أكثر من مائتي ألف، وأسلم على يدي أكثر من مائتي نفس، وكم سالت عين مختبر بوعظي لم تكن تسيل، ويحق لمن تلمح هذا الإنعام أن يرجو التمام، وربما لاحت أسباب الخوف بنظري إلى تقصيري وزللي، ولقد جلست يوما فرأيت حولي أكثر من عشرة آلاف ما فيهم إلا من قد رق قلبه، أو دمعت عينيه، فقلت لنفسي: كيف بكِ إن نجوا وهلكتِ: فصحت بلسان وجدي: إلهي وسيدي إن قضيت علي بالعذاب غداً فلا تعلمهم بعذابي؛ صيانة لكرمك، لئلا يقولوا: عذب من دل عليه.1
أكثر من مائتي ألف تاب على يد ابن الجوزي، ومع كل هذا يخاف أن لا يقبل الله تعالى منه عمله، أو يعذبه وهم يرونه فيقولون: "عذب من دل عليه" يخشى عذاب الله وقد أسلم على يديه أكثر من مائتي نفس!
فكم تاب على يدك أيها المسلم؟
إن مهمة الدعوة إلى الله تعالى ليست خاصة بالعلماء والدعاة فقط، وإن كانوا هم أول من يعاتب على التقصير في ذلك، إنها مهمة كل من رضي بالله رباً، وبالإسلام ديناً وبمحمد عليه الصلاة والسلام نبياً ورسولاً، قال الله تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (108) سورة يوسف، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (بلغوا عني ولو آية)2 فالدعوة إلى الله تعالى مهمة كل من كان على نهج محمد صلى الله عليه وسلم.
بل يعجب المرء من أولئك النفر الذين ولَّاهم الله تعالى أبناء ثم لا يأمروهم بإقامة شعائر دينهم، بل ولا يعلموهم ما هو الواجب عليهم من حكمة خلقهم، بينما يهتمون بهم في كل ما طلبوه من دنياهم، فيأتون يوم القيامة يحملون أوزارهم وأوزار أبنائهم الذين أضلوهم، ولم يعلموهم الخير وينقذوهم من نار جهنم.
يا ضعيف العزم: كم من مذنب رأيته هل عرَّفته الطريق، أم أنك لما كنت مذنباً تركت دعوة الناس إلى ترك الذنوب، فكثير من الناس يتعذر عن عدم الاستطاعة في تغيير الذنب بأنه هو مذنب أيضاً، ومن الذي عصمه الله من الذنب غير الأنبياء:
إذا لم يعظ في الناس من هو مذنب
فمن يعظ العاصين بعد محمد
هل فُقِدَت الذنوب والمذنبون حتى لم يتب على أيدينا أحد، بل ربما لم ندعُ أنفسنا إلى التوبة والرجوع إلى الله، مع أنها الأقرب منَّا.
فالله الله عباد الله في حث أنفسنا على التوبة إلى الله، وحث الناس إلى مرضات الله (فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم).3
نسأل الله تعالى أن يوفقنا إلى ما يحب ويرضى، وأن يوفقنا إلى البر والتقوى، وأن يجعلنا هداة مهتدين، لا ضالين ولا مضلين، وأن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، وأن يرينا الباطل باطل ويرزقنا اجتنابه، والحمد لله رب العالمين.
__________________________
1 صيد الخاطر: (1/231).
2 رواه البخاري برقم (3274).
3 رواه البخاري (2783).
منقول