التدليس أخو الكذب/ نصيحة لبعض أبنائنا في الجزائر.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله حمد الذي نضّر وجوه أهل السنّة، ونصر وجوههم على شُبَه أهل التدليس والفتنة، حمدا أستفتح به أبواب الجنّة، واسترجح به ميزان الثواب يوم المحنة, والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه الذين نظر إليهم بعين المنّة.
أما بعد:
لم أكن لأتطرق لهذا الباب لو لا كثرة المشاغبين، والناعقين بالباطل، والرّاصدين الخصومة لأهل الحديث في الجزائر، معتمدين في طعنهم وشوشرتهم على التدليس في الأخبار، والبتر في الأقوال. قوم أحداث أفهموا النّاس أنهم أقرب الناس إلى مشايخ الجزائر، وأخبر أهل المعمورة بحقيقة ما يدور في الساحة الدعوية، من غير وعي بخطورة الطريق الذي يسلكونه مع طلبة العلم وحماة العقيدة، والمآسي التي يسببونها للناس بسبب تدليسهم ومجازفاتهم.
لقد حيرنا هذا الصنف، وجعلنا نرتاب في أمره، بل ونشكّ في نواياه وأهدافه، وماذا يريد من تدليسه وشنّ الغارات على أهل السنّة، وإلى ماذا يسمو، ولصالح من يعمل؟ أسئلة كثيرة دفعتنا لفتح هذا الملف بكل صدق و صراحة لعلنا نصل إلى حلّ لهذه المعضلة التي أتعبت أهل الحديث في الجزائر، وعرقلت مسيرة الدعوة إلى الله، وغيَّرت كثيرا من الحقائق.
صنف من الشباب أبكم وأصم أمام مخازي هل البدع، وأهبل وخبل أمام طعونات العقلانيين في أهل الحديث، وفي نفس الوقت شعلة من نار في سحب البساط من تحت أقدام إخوانه من أهل الحديث، وتشويه سمعتهم على مختلف المستويات؛ على شبكة الانترنيت، على الهاتف، في الطروقات، في الأسواق، في المساجد، في المجالس الخاصة، عند النساء، في الأطراح، في الأفراح في... شباب ذو موازين مختلة يندر أن تجد لها مثولات عند باقي البشرية، أو أن تصنف عقول أصحابها.
إنني أراني على شيء من العلم في معرفة علم الحديث، ودراسة أسباب الوضع والتدليس، والغاية التي ساقتهم لأن يسلكوا هذه الطرق، والأهداف التي يسعون لتحقيقها، كل هذا يستطيع المرء أن يقف عليه بنفسه، ويتعرف على حالة أصحابه؛ ولكن الناظر في وضع الشباب المشار إليهم آنفا يقف سامدا من الحيرة والعجز، ويصعب عليه أن يضعهم في خانة من خلالها يسهل عليه التعامل معهم، شباب حين ينظر إلى سمتهم يجدهم محيين للسنة، مرخين للحية، يُصلُّون الجماعة مع المسلمين، ولكن حين تأتي ليستكشف ألسنتهم تجدها رطبة بالتدليس على مشايخ أهل السنة، حادة على رقاب أهل الحديث من إخوانهم دون ذنب أو جريرة، وحين تلمحهم من مسافة وهم يصادفون أهل الحديث في الطروقات تجدهم يظهرون أعلى مراتب العبوسة في وجوههم، وإذا جاوزوهم بخطوة أو خطوتين أرخوا الوجنتين لكل الأصناف؛ ذكورا كانوا أو إناثا والله المستعان.
شباب يُحدِّث بكل ما سمع، ويروي عن المنخنقة، والموقوذة، والمتردية وما أكل السبع، ويستفرغ كل وسعه لإقناع الناس بخلابيسه و وساوسه التي هي من إيحاء إبليس وجنده، ليهتك ستر سلفي قبل أن تغرب الشمس ويأوي الناس إلى بيوتهم، وسلاحه الذي يشهره ويفتخر أنه أمضى من المهند:
= الشيخ الفلاني كذّاب؛ هكذا بجرأة كبيرة، دون حياء أو خجل، أو قليل من التربية.
وإذا سئل ما هو دليل قولك؟ قال: (قال لنا أنه سيسافر إلى الدولة الفلانية ثم لم يسافر، وقال سيلقي محاضرة في المنطقة الفلانية ولم يذهب، وقال...وقال....)
كلمات متقطعة يحاكمون بها المشايخ يتنزه عنه المجانين، لكن عند هذا الصنف من الشباب هي أقطع دلالة من التواتر لجهله بلغة العرب وأسلوب الخطاب.
=الشيخ الفلاني متعالم.
وإذا سئل عن دليله قال: يكتب في قضايا منهجية خطيرة، ويقوم بالنشاطات الدعوية دون أن يستأذن غيره، ويخالف الألباني كثيرا، ويكثر من الردّ على المخالفين، و.....و......
=الشيخ الفلاني تكلم فيه العلماء.
وإذا سئل من هم العلماء الذين تكلموا فيه، وأين تكلموا فيه، وهل بإمكانك أن تسعفنا بشريط نُوَثِّق به كلامك، ولماذا تكلم فيه المشايخ، وعلى أيّ علة بنوا نقدهم، وكيف تبطل التزكيات التي أطلقوها ثناء عليه؟
تماوت قليلا، ومسح العرق من جبينه وقال: إذا لم تصدقني ستبدي لك الأيام، وإن ناظره لقريب. وشرع في لوك عبارات، وإصدار غمغمات لو وقف الخليل بن أحمد عليها لعجز عن فهمها، والله العاصم من شر المدلسين.
=الشيخ الفلاني اجتمع أهل السنة في الجزائر وتكلموا فيه.
وإذا قلت له: أليس المتكلم فيه من أهل السنة، وهو أكبر منزلة من كثير ممن تزعم أنه تكلم فيه، ومشيا مع هرائك: في أي بيت اجتمعوا، وهل لك أن تذكر أسماءهم، وهل كنت معهم حين اجتمعوا، ما رأيك أن نذهب إلى واحد منهم ونسأله عن هذا الاجتماع فبيته على مرمى حصا من موقعنا.
لاك عبارات كسابقه، وأظهر بعض حيله وتملص من الموقف وانصرف.
سردت بعض تدليساتهم وإن كانت كثيرة جدا حتى يتفطن لها أبناؤنا، ولا يقعوا في شباكها، ويتعاملون مع هذا الصنف بمنهج أهل الحديث والأثر، فلا يقبلوا منهم نصف كلمة ما لم يذكروا سندها أو يسعفوها بوثيقة تثبت صدق قولهم. وختمت الموقف بنصيحة موجزة عسى أن تلقى آذانا واعية، وعقولا ناضجة فتأتي أكلها بإذن ربنا جلّ جلاله.
= أيها الشباب المشار إليهم بالحديث إن التدليس أخو الكذب، والمقترف له متشبع بما لم يعط، وقد كان يقول ابن المبارك: لأن يخر من السماء أحب إليه من أن يدلس حديثا، وكان الحسن بن علي يقول: سمعت أبا أسامة يقول: خرَّب الله بيوت المدلسين، ما هم عندي إلا كذابون. وكلام شعبة في الباب لا يخفى على طالب علم، فإياكم والتدليس، واحذروا الكذب فإنه يسوق إلى الفجور، وعليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم.
= أيها الشباب لماذا توغلون صدوركم بالحقد على أهل الحديث انطلاقا من أمور لا تستحق حتى الذكر، ومن نقاط بالإجماع لا تقدح لا في عدالة ولا في ضبط، ولا يسلم منه إنس ولا جن، ولماذا لا تعاملون أهل الحديث كما تحبون أن يعاملكم الناس؟ اتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم.
=أيها الشباب لا تتمنوا الشّر لإخوانكم، ومن قال هلك الناس فهو أهلكهم أو أهلكهم، وتحلوا بالتفاؤل، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب الفأل الحسن وهو الكلمة الطيبة يسمعها.
=أيها الشباب كونوا مفاتح خير مغاليق شرّ، واصبروا على مشايخكم، والتمسوا لهم الأعذار، وإذا رأيتم قصورا أو نقصا فسارعوا إلى تصحيحه، وأسدلوا النصيحة في قالب الإخلاص، فإن مشايخكم بشر يخطئون كما يخطئ الناس.
=أيها الشباب كونوا قناطر وئام بين المشايخ، واجمعوا بينهم على البر والتقوى، إياكم والنميمة ونقل الكلام، فإن فساد الناقل أشدّ من فساد الساحر، وإذا سمعتم شيخا يتكلم في أخيه طالب العلم فخوِّفوه بالله، واحجزوه عن التمادي في هتك ستره، وطالبوه بالدليل إن أصرّ على الحديث والسير في الطريق الغلط، قولوا له: لقد ركب الناس الصعب والذلول فإياك إياك أن تأخذ عن كل أحد.
=أيها الشباب: العلم رحم بين أهله، ومشايخكم أقرب إليكم من رؤوس الأحزاب، والعوام الهوام، وإن الأمة بحاجة إليهم، وهم نبراسها في موقع خال من العلماء، فحافظوا عليهم، فأهل الحديث خير الناس على ما فيهم.
وأخيرا أقول: ما تسلط علينا المدلسون إلا بسبب ذنوبنا، وضعف توكلنا على الله، وتقصيرنا في أداء حقوق الله تعالى، وركوننا إلى أنفسنا الضعيفة والله المستعان وعليه التكلان.
فالله أسأل أن يبصر شبابنا بمنزلة مشايخهم، وأن يوفقهم لأن يحفظوا كرامتهم، ويلتمسوا لهم الأعذار، ويدعوا لهم بالتوفيق والهداية وحسن الختام.