بسم الله الرحمن الرحيم
إخوتي : لقد تأثرت كثيرا من واقع المسلمين اليوم ، و ما يسود بينهم من مشاحنات و ملاسنات ، و تعجبت كيف يصل المستوى إلى هذا الحد من التنافر و الفرقة و استعمال شتى الأساليب للإساءة للمخالف و إن كان تقيا نقيا لا لشيء إلا لأنه لا ينتمي إليهم و يشكل خطرا في نظرهم على تيارهم و بإمكانه استقطاب الناس و التأثير فيهم ... تلك الحجج ؟؟؟
و قد وجه سؤال في الموضوع للأستاذ ( ياسر محمود ) فأجاب :
من المؤسف - أخي الفاضل - أن يرى المرء مثل هذه المشاهد المليئة بالتنافس غير الشريف، والصراع المذموم بين المسلمين، فضلاً عن أن يراه من دعاةٍ يسعون إلى هداية البشرية جمعاء إلى طريق الله المستقيم، حتى ينقلب الأمر في هذا الصراع إلى الصد عن سبيل الله، بتنفير الناس وتخويفهم من طلب تعلم تعاليم الإسلام والالتزام بها، وكان الأجدى بهؤلاء الدعاة أن يسعدوا برؤية هؤلاء الشباب الذين بدءوا يضعون أقدامهم على طريق الهداية بصرف النظر عن انتماء مَنْ بدأ معهم.
قواعد وآداب في العمل الجماعي:
وأحب في البداية - أخي الكريم - أن أذكر بعض القواعد والآداب التي من الضروري أن تسود بين الجماعات العاملة في ساحة الدعوة الإسلامية.
1- ليست جماعة المسلمين:
من الضروري أن يعرف كل داعية منتمٍ لجماعة من الجماعات العاملة في حقل الدعوة أنَّ جماعته - بل كل الجماعات - ليست إلا جزءًا من جماعة المسلمين، وبالتالي فليس مَن لا ينتمي إلى جماعته أو أية جماعة أخرى خارجًا عن دائرة الإسلام والمسلمين، بل إننا حين نتفحّص الواقع الفعلي، نجد الكثير والكثير من الدعاة من غير المنتمين يحملون راية الدعوة إلى الله تعالى، ويبذلون وقتهم وجهدهم ومالهم في سبيل نشرها، وربما أفضل ممن يحملون شارات الجماعات المختلفة.
2- نختلف ولكن لا نتعصب:
خرج النبي صلى الله عليه وسلم بعد العودة من غزوة الأحزاب إلى أصحابه ثم قال: "لا يُصلِّينَّ أَحدٌ العصرَ إِلا فِي بني قُرَيظةَ، فَأَدركَ بَعضهُم العَصر فِي الطَّريق، فقالَ بَعضُهم: لا نُصَلِّي حَتَّى نَأتيها، وقالَ بَعضُهم: بل نُصَلِّي، لم يُرَدْ مِنَّا ذلكَ، فذُكرَ للنَّبيِّ صلَّى الله عليه وَسلَّم، فلم يُعَنِّف وَاحِدًا مِنهُم" رواه البخاري.
بهذه الطريقة الهادئة، وبهذا الأسلوب المهذَّب، اختلف الصحابة في فهمهم لأوامر النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يتهم أحدٌ منهم الآخر بالخروج عن أمر النبي صلى الله عليه وسلم، أو بالانحراف عن الطريق القويم، وكذلك لم يعنّف النبي صلى الله عليه وسلم أحدًا منهم؛ لأن كلاً منهم بذل وسعه في فهم النص.
إذن، ليس العيب في أن نختلف، ولكن العيب في أن نتعصَّب لرأينا، ونرمي مَن يخالفنا بالخروج عن الطريق القويم.
3- نتعاون فيما اتفقنا عليه:
فلو اهتمت الجماعات العاملة في ساحة الدعوة بالبحث عن نقاط الاتفاق، والالتقاء فيما بينها، بدلاً من الانشغال بالبحث عن نقاط الاختلاف وتضخيمها؛ لوَجَدَتْ العديد من نقاط الاتفاق التي يمكن أن تكون قاعدةً ومقدمة لبداية التعاون فيما بينها، فما المانع إذن من البحث عن هذه المساحات المتفق عليها، ثم يتم التنسيق فيما بينهم ليتعاونوا في هذه المساحات، ثم ليعذر بعضهم بعضًا، ولينصح بعضهم بعضًا في الأمور المُختَلف فيها.
4- نسعد بكل جهد:
فمن المُسلَّم به أن يسعد كل داعية - صادق مع الله - بكل جهد يُبذَل في سبيل نشر دعوة الإسلام، بصرف النظر عمَّن يقوم بهذا الجهد، أو انتمائه أو عدم انتمائه، أما إذا وَجَدَ أحدٌ غير ذلك فليراجع نفسه، هل هو يريد حقّا أن ينشر الإسلام وتعاليمه بين الناس، أم يريد الانتصار لجماعته ولنفسه وأهوائه ؟!.
5- لا ننسى الأخوة وحقوقها:
فالقرآن الكريم يشير في العديد من آياته إلى وجوب تماسك المسلمين ووحدتهم، وعدم التنازع واجتناب التفرّق، وكذلك السُّنَّة النبوية تؤكد هذا المعنى وتوضح الكثير من الحقوق المترتبة على هذه الإخوة بين المسلمين، من تحابٍّ، وتوادٍّ، وتراحم، وتعاطف، وإيثار، وتكافل، وتزاور، وتسامح، وتناصح .. إلخ، وهذه الحقوق مطالب بها كل مسلم نحو إخوانه من المسلمين، ومن باب أولى فالدعاة مطالبون باستشعار هذه المعاني، وإقامة هذه الحقوق نحو جميع المسلمين بصفة عامة ونحو بعضهم البعض بصفة خاصة.
وفي النهاية ندعو الله عزَّ وجلَّ أن يجمع قلوب المسلمين على عمل الخير وخير العمل، وأن يرزقنا وإياك الهداية والقبول.