أبوصالح عضو فعال
عدد الرسائل : 82 الموقع : http://www.ferkous.com/rep/index.php تاريخ التسجيل : 21/02/2008
| موضوع: لنتعلم أداب الخلاف ..بدون تدليس الجمعة أبريل 04, 2008 12:18 pm | |
| هل وقوع الخلاف يعد مبرراً للفرقة والتنازع ؟. الخلاف نوعان منه ما هو مذموم ، كالخلاف الذي يكون بين المنتسبين للإسلام في أصول العقيدة كخلاف الخوارج والرافضة والمعتزلة والقرآنيين وغيرهم ، وهذا النوع هو الذي يؤدي إلى فرقة الأمة وتشرذمها ، وجاءت النصوص القرآنية والنبوية في التحذير منه. كما مر معنا. وهناك الخلاف السائغ ، في فروع العقيدة والفقه. ومنه خلاف المذاهب الفقهية، وخلاف الدعاة على بعض الوسائل الحديثة للدعوة، وكذلك فروع العقيدة كرؤية الرسول صلى الله عليه وسلم ربه ليلة المعراج ، وكنه المعراج ، هل هو بالروح أم بالجسد. ولأن هذا الخلاف مما يسوغ ، فإنه لم يكن يوماً سبباً لشر أو فرقة أو تشرذم أو تنافر.ولذا يجب التفريق بين هذا النوع من الاختلاف السائغ وبين غيره من أنواع الاختلاف المذمومة . - فالاختلاف السائغ لا يكون في المسائل الأصولية في الدين، العقدية منها والفقهية، كالتوحيد وأصول الإيمان، وحجية السنة، وفرضية الصلاة أو فرضية الوضوء للصلاة ووجوب الصوم والحج وعدد ركعات الصلاة . فمثل هذه المسائل تضافرت الأدلة الصحيحة الصريحة في الكتاب والسنة على إثباتها. ــــ الاختلاف السائغ لا يكون في المسائل التي انعقد الإجماع فيها يقول ابن تيمية: (إن المجتهد في مثل هذا من المؤمنين إن استفرغ وسعه في طلب الحق فإن الله يغفر له خطأه، وإن حصل منه نوع تقصير فهو ذنب . فمن أخطأ في بعض مسائل الاعتقاد من أهل الإيمان بالله وبرسوله وباليوم الآخر والعمل الصالح لم يكن أسوأ حالاً من هذا الرجل (الذي طلب من أهله إحراقه إذا مات) فيغفر خطأه ، أو يعذبه إن كان منه تفريط في اتباع الحق على قدر دينه ) أ . هـــ . (الاستقامة 1/163). ويقول رحمه الله أيضاً : ( من خالف الكتاب المستبين، والسنة المستفيضة، أو ما أجمع عليه سلف الأمة خلافاً لا يعذر فيه، فهذا يعامل بما يعامل به أهل البدع ) . (الفتاوى: 4/172–173). ويقول الذهبي: ( ومن عاند أو خرق الإجماع فهو مأزور).(السير 19/322). ــــ ومن علامات الاختلاف السائغ : أن يكون القول صادراً عن اجتهاد ونظر في الأدلة الشرعية المعتبرة بقصد الوصول إلى الحق الذي أراده الله ورسوله صلى الله عليه وسلم . قال الشاطبي: ( الاجتهاد الواقع في الشريعة ضربان، أحدهما الاجتهاد المعتبر شرعاً، وهو الصادر عن أهله الذين اضطلعوا بمعرفة ما يفتقر الاجتهاد إليه.والثاني: غير المعتبر، وهو الصادر عمن ليس بعارف بما يفتقر الاجتهاد إليه، لأن حقيقته أنه رأي بمجرد التشهي .فكل رأي صادر عن هذا الوجه فلا مرية في عدم اعتباره، لأنه ضد الحق ... ) . (الموافقات:4/167). * ما هو الموقف الصحيح ممن اختلفنا معهم اختلافاً سائغاً ؟. يقول سماحة العلامة ابن عثيمين رحمه الله : ( موقفنا من هؤلاء يكون على وجهين : الأول : كيف خالف الأئمة لما يقتضيه الكتاب وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وهذا يمكن أن يُعرَف الجواب عنه بمعرفة أسباب الخلاف. الثاني : ما هو موقفنا من اتباعهم ؟. ومن يتبع الإنسان من هؤلاء؟. أيتبع إماماً لا يخرج عن قوله ، ولو كان الصواب مع غيره كعادة المتعصبين للمذاهب ، أم يتبع ما ترجح عنده من دليل ولو كان مخالفاً لمن ينتسب إليه من هؤلاء الأئمة ؟. الجواب هو الثاني . فالواجب على من علم بالدليل أن يتبع الدليل ولو خالف من خالف من الأئمة ، إذا لم يخالف إجماع الأمة ، ومن اعتقد أن أحداً غير رسول الله صلى الله عليه وسلم يجب أن يؤخذ بقوله فعلاً وتركاً بكل حال وزمان ، فقد شهد لغير رسول الله صلى الله عليه وسلم بخصائص الرسالة ، لأنه لا يمكن أحداً أن يكون هذا حكم قوله إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا أحد إلا يؤخذ من قوله ويترك سوى رسول الله صلى الله عليه وسلم )أ.هـ.( من رسالة : الخلاف بين العلماء ، أسبابه وموقفنا منه . 24 ــ 26 بتصرف يسير ) . * ماذا بعد الخلاف ؟. إذا وقع الخلاف في المسائل التي يسوغ فيها الخلاف ، فإن الواجب الشرعي هو: 1ـــ إعذار المخالف وإحسان الظن به وأنه يتحرى الحق ويريده . 2ـــ المحافظة على رباط الأخوة : قال الإمام الذهبي في ترجمة الإمام محمد بن نصر المروزي : ( ولو أنا كلما أخطأ إمام في اجتهاده في آحاد المسائل خطأ مغفوراً له قمنا عليه وبدعناه ، وهجرناه ، لما سلم معنا ابن نصير ، ولا ابن مندة ، ولا من هو أكبر منهما والله هو هادي الخلق إلى الحق ، وهو أرحم الراحمين ، فنعوذ بالله من الهوى والفظاظة ).( السير 14/40) . 3 ــــ لا تحمل الآخرين على رأيك . فهذا لا يجوز حتى للعالم مجتهد. قال أحمد فيما يرويه عنه ابن مفلح: ( لا ينبغي للفقيه أن يحمل الناس على مذهب ولا يشدد عليهم ). ( الآداب الشرعية 1/186). قال شيخ الإسلام : ( فكما أن الحاكم ليس له أن ينقض حكم غيره في مثل هذه المسائل، لا يجوز للعالم والمفتي أن يلزم الناس باتباعه في مثل هذه المسائل، ولهذا لما استشير مالك أن يحمل الناس على موطئه في مثل هذه المسائل منع من ذلك . وقال : إن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تفرقوا في الأمصار ، وقد أخذ كل قوم من العلم ما بلغهم ، وصنف رجل كتاباً في الاختلاف ، فقال أحمد : لا تسمه كتاب الاختلاف ، ولكن سمه كتاب السعة . ولهذا كان بعض العلماء يقول: إجماعهم حجة قاطعة ، واختلافهم رحمة واسعة ، وكان عمر بن عبد العزيز يقول : ما يسرني أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يختلفوا لأنهم إذا اجتمعوا على قول فخالفهم رجل كان ضالاً ، وإذا اختلفوا فأخذ رجل بقول هذا ، ورجل بقول هذا كان في الأمر سعة ، وكذلك قال غير مالك من الأئمة ، ليس للفقيه أن يحمل الناس على مذهبه . ولهذا قال العلماء المصنفون في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أصحاب الشافعي رحمه الله وغيره : إن مثل هذه المسائل الاجتهادية لا تنكر باليد ، وليس لأحد أن يلزم الناس باتباعه فيها ، ولكن يتكلم فيها بالحجج العلمية ، فمن تبين له صحة أحد القولين تبعه ، ومن قلد أهل القول الآخر فلا إنكار عليه ) .( الفتاوى الكبرى 79/30- 81) . * ــ صور من اختلاف السلف رحمهم الله تبرز أدبهم العظيم في هذا الباب: اختلافهم في مكان دفنه صلى الله عليه وسلم حتى قال أبو بكر رضي الله عنه سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما نسيته قال :" ما قبض الله نبياً إلا في الموضع الذي يجب أن يدفن فيه ". رواه الترمذي وحسنه الألباني . اختلافهم في الخلافة بعده صلى الله عليه وسلم ، وقصة سقيفة بني ساعدة مشهورة معلومة ، وكامن من مظاهر اختلافهم أن قالوا : منا أمير ومنكم أمير . وقال آخرون : نحن الأمراء وأنتم الوزراء حتى قام عمر رضي الله عنه فبايع أبا بكر وتوالت البيعة وكان الرضوخ من الجميع لمصلحة الأمة . ـــــ اختلف عمر رضي الله عنه مع أبي بكر رضي الله عنه في حرب أهل الردة ، ولا زال يراجعه بأدب ورفق وأبو بكر يرد عليه من غير تثريب ، حتى شرح الله صدر عمر رضي الله عنه لقول أبي بكر رضي الله عنه . والقصة معلومة مشهورة . اختلف أبو بكر وعمر في سبي نساء أهل الردة، فسباهن أبو بكر ، وكان عمر لا يرى ذلك . - اختلف ابن مسعود وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما في كثير من المسائل ، حتى أوصلها ابن القيم إلى نحو مائة مسألة منها: أن ابن مسعود رضي الله عنه كان ينهى عن وضع اليدين على الركب في الركوع ويأمر بالإطباق ، وخالفه عمر رضي الله عنه . اختلفا فيمن زنا بامرأة ثم تزوجها فيرى ابن مسعود رضي الله عنه أنهما لا زالا يزنيان حتى ينفصلا ، وخالفه عمر رضي الله عنه . (إعلام الموقعين 2/237). وبرغم ذلك كانا يثنيان على بعضهما. يقول عمر رضي الله عنه عن ابن مسعود رضي الله عنه : (كنيف ملئ فقهاً أو علماً آثرتُ به أهل القادسية).(السير 1/491). ويقول ابن مسعود رضي الله عنه عن عمر رضي الله عنه : (كان للإسلام حصناً حصيناً يدخل الناس فيه ولا يخرجون، فلما أصيب عمر انثلم الحصن) . رواه الحاكم في المستدرك . وبالجملة فقد اختلف الصحابة ومن بعدهم من التابعين في كثير من المسائل : فمنهم من كان يجهر بالبسملة في الصلاة ومنهم من لا يرى ذلك ، ومنهم من كان يتوضأ من الرعاف والقيء والحجامة ومن من لا يرى ذلك ، ومنهم من يتوضأ من أكل لحم الإبل أو مما مسته النار ومنهم من يرى رأيه لعدم بلوغ الدليل . ولم يكن هذا الاختلاف مبرراً للطعن والتثريب والتفسيق والعداوة والبغضاء فيما بينهم . - بل حينما وقع بين الصحابة خلاف أدى بهم إلى الاقتتال ، فإن هذا الخلاف لم يكن مبرراً للشقاق والتفرقة ، بل كان مليئاً بالصور المشرقة والمعاني محمودة . منها: - خلو قلوبهم من الغل، ومنه قول مروان بن الحكم (ما رأيت أحداً أكرم غلبة من علي رضي الله عنه ، ما هو إلا أن ولينا يوم الجمل وناد منادٍ: ولا يذفف (يجهز) على جريح . رواه البيهقي في السنن . - نال أحدهم من عائشة رضي الله عنها يوم الجمل وسمعه عمار رضي الله عنه ــ وكان في معسكر علي رضي الله عنه فقال: ( اسكت مقبوحاً منبوحاً، أتؤذي محبوبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أشهد أنها زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنة) . رواه الترمذي. - لما قتل ابن خيري رجلاً وجده مع زوجته، رفع الأمر إلى معاوية رضي الله عنه فأشكل ذلك عليه فكتب إلى أبي موسى رضي الله عنه أن يسأل له علياً رضي الله عنه فكتب إليه علي بالجواب. وكان هذا بعد وقعة الجمل.أخرجه مالك في الموطأ . - ولما وصف ضرار بن حمزة الكناني علياً رضي الله عنه بين يدي معاوية رضي الله عنه : بكى معاوية وجعل ينشف دموعه بكمه، ويقول لمادح علي رضي الله عنه : كذا كان أبو الحسن رحمه الله. ( انظر الاستيعاب 4/1697). - الخلاف بين أهل الرأي وأهل الحديث معروف . يقول شعبة ـــ وهو من أهل الحديث ـــ عند وفاة أبي حنيفة ـــ وكان من أهل الرأي ـــ : (لقد ذهب معه فقه الكوفة، تفضل الله عليه وعلينا برحمته). ( السير 6/403 ) . صلى الشافعي الصبح في مسجد أبي حنيفة ــ وكان يرى القنوت في صلاة الصبح ، ويرى الجهل بالبسملة ـــ فلم يقنت ولم يجهر ببسم الله تأدباً مع أبي حنيفة رحمهما الله . (طبقات الحنفية 1/433). قال القرطبي: ( كان أبو حنيفة وأصحابه والشافعي وغيرهم يصلون خلف أئمة أهل المدينة من المالكية وإن كانوا لا يقرؤون البسملة لا سراً ولا جهراً . وصلى أبو يوسف خلف الرشيد وقد احتجم وأفتاه مالك بأنه لا يتوضأ فصلى خلفه أبو يوسف ولم يعد) رغم أنه يرى أن خروج الدم بحجامة أو غيرها ينقض الوضوء.(الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، 23/375). ــــ يقول الإمام أحمد بن حنبل: ( لم يعبر الجسر إلى خراسان مثل إسحاق وإن كان يخالفنا في أشياء، فإن الناس لم يزل يخالف بعضهم بعضاً ) . (سير أعلام النبلاء 11/371 ). وقال: ( ولو أنا كلما أخطأ إمام في اجتهاده في آحاد المسائل خطأ مغفوراً له قمنا عليه وبدعناه وهجرناه لما سلم معنا لا ابن نصر ولا ابن مندة ولا من هو أكبر منهما، والله هو هادي الخلق إلى الحق وهو أرحم الراحمين فنعوذ بالله من الهوى والفظاظة ) . (سير أعلام النبلاء 14/40). ويقول الذهبي في تعليقه على اختلاف الناس في أبي حامد الغزالي بين مادح وذام: ( مازال العلماء يختلفون ويتكلم العالم في العالم باجتهاده، وكل منهم معذور مأجور، ومن عاند أو خرق الإجماع فهو مأزور، وإلى الله ترجع الأمور ) . (سير أعلام 19/322 ).
__________________ | |
|
hayder مراقب
عدد الرسائل : 1064 الموقع : http://mhm001.forumactif.com/ تاريخ التسجيل : 13/11/2007
| موضوع: رد: لنتعلم أداب الخلاف ..بدون تدليس السبت أبريل 05, 2008 7:21 pm | |
| جزاك الله كل الخير موضوع قمة في ادب الاحتلاف ما نحتاجه اليوم هو التعامل بمثل هذه الاخلاق مع اخوننا في كل مكان ولنجعل لهم سبعين عذرا | |
|
زائر زائر
| موضوع: رد: لنتعلم أداب الخلاف ..بدون تدليس السبت أبريل 05, 2008 7:53 pm | |
| |
|
عمار جعيل الإدارة
عدد الرسائل : 1223 العمر : 57 تاريخ التسجيل : 21/11/2007
| موضوع: رد: لنتعلم أداب الخلاف ..بدون تدليس الإثنين أبريل 14, 2008 4:44 pm | |
| بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله محمد ـ صلى الله عليه و سلم ـ السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
جزاك الله خيرا أخي " أبو صالح " على إثرائك للمنتدى بهذا الموضوع النافع ، أثقل الله به ميزان حسناتك ، و ما أحوج الجميع للعمل بمحتواه ، و لقد سبق و أن أشرت إلى وجوب رحابة الصدر في مسائل الخلاف الصائغة في موضوع في قسم " مواعظ و حكم " بعنوان " فضل أهل العلم و خطورة الطعن فيهم " ، و في قسم " مواضيع فقهية " بعنوان " وسائل تؤدي للاتفاق " . و لا بأس من إعادة نشر بعض ما قاله من علماء الأمة من ضرورة التحلي بالآداب الإسلامية فيما يعرض من مسائل الخلاف إليكموها :
قال الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ : " إنّ على طلبة العلم احترام العلماء وتقديرهم، وأن تتسع صدورهم لما يحصل من اختلاف بين العلماء وغيرهم، وأن يقابلوا هذا بالاعتذار عمن سلك سبيلاً خطأ في اعتقادهم، وهذه نقطة مهمة جداً، لأن بعض الناس يتتبع أخطاء الآخرين، ليتخذ منها ما ليس لائقاً في حقهم، ويشوّش على الناس سمعتهم، وهذا من أكبر الأخطاء، وإذا كان اغتياب العامّي من النّاس من كبائر الذنوب، فإن اغتياب العالم أكبر وأكبر، لأن اغتياب العالم لا يقتصر ضرره على العالم بل عليه وعلى ما يحمله من العلم الشرعي ".
و قال أيضا ـ رحمه الله ـ في معرض بيان آداب طالب العلم : " أن يكون صدره رحباً في مواطن الخلاف الذي مصدره الاجتهاد؛ لأن مسائل الخلاف بين العلماء إما أن تكون مما لا مجال للاجتهاد فيه، ويكون الأمر فيها واضحاً، فهذه لا يعذَر أحد بمخالفتها، وإما أن تكون مما للاجتهاد فيها مجال، فهذه يعذر فيها من خالفها ".
و قال أيضا ـ رحمه الله ـ : " أسال الله أن يعين علماء السنة على ما ينالهم من السفهاء ، لأن العلماء ينالهم أشياء كثيرة :
أولا : أننا نسمع ما ينسب إلى بعض أهل العلم المرموقين ثم إذا تحققنا وجدنا أن الأمر على خلاف ذلك ، وهذه جناية كبيرة .
ثانيا : تضخيم الأخطاء , فهذا خطأ وعدوان , فالعالم بشر يخطئ ويصيب لا شك ، أما تضخيم الخطأ ثم ذكره في أبشع حالاته فهذا لا شك أنه عدوان على أخيك المسلم ، وعدوان حتى على الشرع إن استطعت القول ، لأن الناس إذا كانوا يثقون بشخص ثم زعزعت ثقتهم به فإلى من يتجهون ؟ أيبقى الناس مذبذبين ليس لهم قائد يقودهم لشريعةِ الله , أم يتجهون إلى جاهل يضلهم عن سبيل الله بغير قصد , أم يتجهون إلى عالم سوء يصدهم عن سبيل الله بقصد ؟ " انتهى كلامه رحمه الله وغفر له .
و قال الشيخ ابن باز ـ رحمه الله ـ : " وقد شاع في هذا العصر أن كثيراً من المنتسبين إلى العلم والدعوة إلى الخير يقعون في أعراض كثير من إخوانهم الدعاة المشهورين، ويتكلمون في أعراض طلبة العلم والدعاة والمحاضرين، يفعلون ذلك سراً في مجالسهم، وربما سجلوه في أشرطة تنتشر على الناس، وقد يفعلونه علانية في محاضرات عامة في المساجد، وهذا المسلك مخالف لما أمر الله به ورسوله من جهات عديدة منها :
أولاً: أنه تعدّ على حقوق الناس من المسلمين، بل من خاصة الناس من طلبة العلم والدعاة الذين بذلوا وسعهم في توعية الناس وإرشادهم، وتصحيح عقائدهم ومناهجهم، واجتهدوا في تنظيم الدروس والمحاضرات وتأليف الكتب النافعة.
ثانياً: أنه تفريق لوحدة المسلمين وتمزيق لصفهم، وهم أحوج ما يكونون إلى الوحدة والبعد عن الشتات والفرقة وكثرة القيل والقال فيما بينهم، خاصة وأن الدعاة الذين نيل منهم هم من أهل السنة والجماعة المعروفين بمحاربة البدع والخرافات، والوقوف في وجه الداعية إليها، وكشف خططهم وألاعيبهم، ولا نرى مصلحة في مثل هذا العمل إلا للأعداء والمتربصين من أهل الكفر والنفاق أو من أهل البدع والضلال.
ثالثاً: أن هذا العمل فيه مظاهرة ومعاونة للمغرضين من العلمانيين والمستغربين وغيرهم من الملاحدة الذين اشتهر عنهم الوقيعة في الدعاة والكذب عليهم والتحريض ضدهم فيما كتبوه وسجلوه، وليس من حق الأخوة الإسلامية أن يعين هؤلاء المتعجلون أعداءهم على إخوانهم من طلبة العلم والدعاة وغيرهم.
رابعاً : أن في ذلك إفساداً لقلوب العامة والخاصة، ونشراً وترويجاً للأكاذيب والإشاعات الباطلة، وسبباً في كثرة الغيبة والنميمة و فتح أبواب الشر على مصاريعها لضعاف النفوس الذين يدأبون على بث الشبه وإثارة الفتن ويحرصون على إيذاء المؤمنين بغير ما اكتسبوا.
خامساً: أن كثيراً من الكلام الذي قيل لا حقيقة له، وإنما هو من التوهمات التي زينها الشيطان لأصحابها وأغراهم بها، وقد قال الله تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً)) [الحجرات:12]. والمؤمن ينبغي أن يحمل كلام أخيه على أحسن المحامل، وقد قال بعض السلف : " لا تظن بكلمة خرجت من أخيك السوء، وأنت تجد لها في الخير محملاً " .
ساساً : وما وجد من اجتهاد لبعض العلماء وطلبة العلم فيما يسوغ فيه الاجتهاد، فإن صاحبه لا يؤاخذ به ولا يثرب عليه إذا كان أهلاً للاجتهاد، فإذا خالفه غيره في ذلك كان الأجدر أن يجادله بالتي هي أحسن، حرصاً على الوصول إلى الحق من أقرب طريق ودفعاً لوساوس الشيطان وتحريشه بين المؤمنين، فإن لم يتيسر ذلك، ورأى أحد أنه لا بد من بيان المخالفة فيكون ذلك بأحسن عبارة وألطف إشارة، ودون تهجم أو تجريح أو شطط في القول قد يدعو إلى رد الحق أو الإعراض عنه، ودون تعرض للأشخاص أو اتهام للنيات أو زيادة في الكلام لا مسوغ لها، وقد كان الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول في مثل هذه الأمور: (( ما بال أقوام قالوا كذا وكذا )) والله أعلم . انتهى كلام الشيخ .
فنحن في أمسّ الحاجة للعمل بما جاء في أقوال العلماء و نتأدب بآداب الإسلام فيما يعرض من مسائل الخلاف ، و الله أسأل أن يوحد بفضله و رحمته بين قلوب المسلمين و يجمع شملهم ، و يلمّ شعثهم ، و يحقن دماءهم ، و يصون أعرضهم ، و ينصرهم على أعدائهم . | |
|